إعداد الباحثة في سلك الدكتوراه أسماء فاضل
الأستاذ يوسف ألويز
نظم المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري ندوة دولية يومه الثلاثاء 26 دجنبر 2023 تحت عنوان : “نصرة المظلوم : مقاربة أخلاقية وإنسانية”
حيث تطرقت الدكتورة صباح العمراني مسيرة الندوة لحيثيات الندوة وأهميتها نظرا للظروف التي يمر منها العالم وخاصة ما يعاني منها قطاع غزة من ظلم واستبداد وجرائم ومجازر ضد الإنسانية …
مداخلة الأستاذة حفيظة فرشاشي : عضو الائتلاف العالمي للأخلاق والقيم الإنسانية / المغرب
افتتحت الأستاذة فرشاشي مداخلتها بالحديث عن المرجعيات التي تأصل لهذا لخلق نصرة المظلوم دينيا وانسانيا نظرا لما يعيشه العالم وخاصة قطاع غزة من تقتيل وتهجير المدنيين ومجازر….
ففي ظل اتفاق حقوق الانسان المتبجح بها نشهد أعتى صور الاعتداء على الانسان وحقه في الحياة …. فأصبحت غزة معزولة عن العالم تعيش أفظع أنواع الظلم ما يسائل انسانيتنا حول مفهوم الظلم وضرورة نصرة المظلوم؟
بالرجوع للديانات السماوية والحكمة البشرية نرى ان الظلم والتظالم مرفوض وتهيب بالإنسان الى نصرة أخيه الانسان المظلوم مبينة ان من صفات الله عزوجل العدل وقد حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين الناس مستدلة بايات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة.
ووقفت الأستاذة فرشاشي عند نماذج للرسل والانبياء دفاعا عن المظلوم ونصرته (موقف سيدنا موسى مع الفتاتين …) ونماذج أخرى من غير الرسل (موقف دي القرنين المخلد في القرآن) ثم عرجت على نماذج إنسانية بصفة عامة.
ثم بينت أن الانسان بصفة عامة خلق مجبولا بفطرته على رفض الظلم ونصرة المظلوم مستدلة بما نشاهده من تحرك وتعاطف للشعوب في العالم حول ما يحدث في غزة من ظلم وتقتيل ومجازر ….
ومن أمثلة ان رفض الظلم ونصرة المظلوم فطرة في الانسان حلف الفضول الذي أقرته قريش قبل الإسلام والذي أملته المروءة الإنسانية للدفاع عن المظلوم بعيدا عن أي دين وهو حلف شارك فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأقره بعد بعثته وهو موقف يؤكد أن الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم مسؤولية على كل قادر عليها، مستنتجة أن نصرة المظلوم فطرة مغروسة في الانسان واضمحلال هذه الفضيلة يؤدي الى الانحراف في انسانيته.
وقد خلصت الأستاذة فرشاشي من خلال ما طرحته أن نصرة المظلوم من اهم الاخلاق التي يحتاجها العالم اليوم وهذه النصرة هي الميثاق الأسمى الذي يجب ان تجتمع عليه الإنسانية لرفع الظلم على كل مظلوم.
مداخلة الأستاذ خالد الشولي : رئيس منظمة العدالة الواحدة لحقوق الإنسان / فرنسا
بدأ الأستاذ الفاضل خالد الشولي مداخلته بالحديث عن العناصر الأساسية التي تساعد على الاستقرار البشري خلال سير تطور الإنسان، وخص بالذكر من هذه العناصر كما وردت في الفقه الإسلامي وفي أساسياته الحفاظ على العقل وعلى الملكية باعتبار أهميتها في المنهج القانوني الفردي أو الجماعي، وكذلك الحفاظ على النسل وأساسيات أخرى متعلقة بمعتقدات الإنسان مؤكدا أنه لا بد لاية مجموعة بشرية من هذه الأساسيات كما انه لابد لها من خلق منهج قانوني يحافظ عليها كهيأة قضائية لردع المجتمع في حال مخالفة انتهاك هذه الضروريات التي تحافظ على الاستقرار البشري السليم.
تحدث الأستاذ الشولي عن مبدأين أساسين لا بد منهما لتسيير العناصر السالفة الذكر وقال أنهما مبدآ الحرية والعدالة بحيث اعتبرهما عنصرا ثبات واستقرار المجتمعات وبدونهما تسود الفوضى والانتهاكات التي ان حدثت في مجتمع ما فلا بد من التدخل لإيقافها وردع ومعاقبة مرتكبيها. وقد اعتبر أن الهجوم الذي تقوم به مجموعة بشرية على أخرى وعلى عناصر الاستقرار البشري هي بمثابة انتهاك صارخ لمبادئ القانون الطبيعي وعدوانا بالمعنى الإنساني على العدالة والسلامة والأخلاق. وهذا الأمر ان تم فان تعديل الوضع بطريقة مناسبة من اجل استعادة التوازن الطبيعي للعلاقات داخل المجتمع البشري الكبير، يصبح من أولى الأولويات.
يضيف الأستاذ الكريم أن عدم تحقق التوازن داخل المجتمعات كانت نتيجته وجود حركات التحرر الوطني التي تعمل من خلال تحركها على إعادة المسار الطبيعي للمجموعات. وهذا التحرك يساهم فيما بعد بخلق نوع من المبادئ التي يحكمها حق المصير والحق في التعبير والحق في مناوءة الظالم وتحقيق العدالة للمظلوم…وفي التأصيل لمبدأي الحرية والعدالة أشار الأستاذ خالد أن ابني سيدنا آدم هما ما أسسا لهما منطلق من قول الله تعالى” لأن بسطت الي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ” الآية 28 من سورة المائدة. فكانت بذلك أول قاعدة قانونية في المجتمع البشري هي الحق في الحياة والحفاظ عليها ومن ثم عدم المعاملة بالمثل في مسألة الاعتداء على الحياة. ثم ان المواثيق الدولية والحقوق التي تم وضعها فيما بعد كانت منبثقة من هذا الحق الذي تجلى في القصة القرآنية التي تحكيها الآية 28 من سورة المائدة. لذلك كان السعي وراء وضع حدود للمعتدي وحدود للمجموعات البشرية في مسألة إقامة الدولة وإقامة العلاقات القانونية من خلال القوانين الدولية ضرورة حضارية وإنسانية صرفة.
وبالعودة إلى شواهد التاريخ فإننا سنجد أن هناك تغير المنظمات المختصة في تنظيم علاقات المجتمع الدولي تبعا لحاجة إليها حسب ظروف و تحديات التغيرات السياسية والاجتماعية التي عرفها العالم من قبل الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا.
ثم انتقل الأستاذ خالد إلى الحديث عن بعض المؤسسات الدولية التي تعمل على محاكمة مرتكبي الجنايات والجرائم فأشار إلى محكمة الجنايات الدولية باعتبارها محكمة قارة وثابتة ودائمة تقوم بالاختصاص السالف ذكره. ثم عرج إلى أحداث فلسطين متحدثا عن الجرائم الفظيعة والمتراكمة والمتتالية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيين وفي حق الأفراد والمواطنين. ثم قال : (ان واجب النصرة يقوم على أساس أن يقوم المجتمع الدولي بتطبيق المبادئ القانونية التي استقر المجتمع الدولي عليها بما أننا نحن أمام معاهدات جنيف الأربعة والمعاهدة الرابعة تتعلق بحق المدنيين في الحياة… لذلك نرى أن المجتمع الدولي مقصر في هذه القضية وهناك محاباة للجانب الإسرائيلي…) انتهى كلام الأستاذ خالد الشولي.
ختم الضيف مداخلته بقوله: (واجب النصرة وواجب القانون الدولي هو أن يكون له مخالب وأنياب لكي يطبق قراراته ويطبق الشرعة الدولية على الجميع بشكل متوازي ومتساوي لكي لا يكون هناك ظلم. لذلك نحن مستمرون في المعركة القانونية أمام المحاكم الدولية والقضاء الدولي من اجل إرساء مستقبل قواعد أخرى يمكن ان تكون أكثر عدلا وتحيزا للمظلوم على حساب الظالم).
مداخلة الدكتور هاني البنا: منتدى العمل الإنساني العالمي / بريطانيا
تناول الدكتور هاني البنا مداخلته حول موضوع نصرة المظلوم مشيرا الى ان النصرة تأتي بعد الوعي وخاصة رفع الوعي المجتمعي معتبرا ان الوعي منظومة صعبة جدا وقد شبهها بالهيكل أو البناء وهو على حد تعبيره الحل الأمثل في المجتمعات وان كان صعبا ومكلفا وطويل الأمد، لكنه ضروري لمتابعة المسيرة المجتمعية. فالدكتور يرى أن بناء الوعي المجتمعي يقتضي ثلاثة أشياء ضرورية وأساسية حددها في القواعد وخارطة الطريق والتحديات. بالنسبة للقواعد أجملها فيما يلي:
الإيمان – اليقين- العقيدة الراسخة التي ليس فيها شبهات – العلم والتعليم- المعرفة المعلوماتية- اكتساب الخبرات من خلال مخالطة الناس والصبر على أذاهم- بناء مؤسسات- التواصل بين المؤسسات – مد جسور التواصل بين الجمعيات الداخلية والمنتديات.
فهذه القواعد تقتضي محاضن عدها في عشرة و هي : الأسرة وهي أهم محضن خصوصا الأم – المدرسة- دور العبادة- الجيران والأصدقاء أو العائلة الكبيرة- البرامج التربوية والتعليمية الجهوية- المناخ الاجتماعي الثقافي المغلف لأجواء البيئة التي تعيشها المجتمعات – الإعلام الرسمي والدراما والفنون والآداب والتراث الشعبي- منصات التواصل الاجتماعي أصبحت من محاضن الوعي الأساسية – تأثير المناخ العملي للمنزل لأنه يعزل الإنسان عن التعامل مع المجتمع.
ثم انتقل الدكتور بعد الحديث عن القواعد اللازمة لبناء الوعي المجتمعي والمحاضن الضروري لإنمائه وتقويته للحديث عن خارطة الطريق التي بواسطتها يبنى الوعي مشيرا إلى ضرورة وجود أفراد لهم إمكانيات ذهنية إبداعية متعددة الرؤى متكافئة الفكر متميزة في الأداء متأنية في الإنتاج متعاصرة مع الزمن مستكشفة للطاقات والملكات مفكرة في الطاقات مستفيدة من الإمكانيات مشاركة مع الجماعات موجهة للتوجهات بانية للقيم. وهذه كله صفات لشخصية الإنسان المجتمعي الذي يستطيع بناء مسيرة الوعي سواء كان رجل أو امرأة.
ان بناء الوعي المجتمعي مع وجود قواعد ومحاضن وخارطة طريق لن يكتمل إلا إذا تخطى التحديات التي تفرضها المتغيرات والمستجدات الواقعية. فذكر الدكتور هذه التحديات بقوله:
- المحافظة على الحريات إذ لا مجتمعات بدون حريات.
- دراسة ومعرفة التاريخ والعلوم والقيم المجتمعية.
- المحافظة على بناء مؤسسات المجتمعات مستقلة داخل قطاع مستقل
- الاستثمار في البحث والدراسات وبناء المؤسسات والأفراد الحرجين.
- المحافظة على الرموز المجتمعية.
- تمكين الشباب والمرأة من إدارة المؤسسات.
- لابد من إعادة تعريف المعرف وصياغة تعريفاته وفق قيمنا وتاريخنا ومعتقداتنا.
- بناء مؤسسات إعلامية قوية وحيادية ومستقلة.
- اكتشاف كيف يفكر الآخر وكيف يتصرف.
- صناعة بناء مسيرة الشراكات.
- عدم السماح لعسكرة أملاك الدولة.
- تحويل الأجهزة إلى بناء امن المجتمعات.
- تحديد الدور الجديد من أجل صناعة مستقبل الأمة.
- استثمار جمعيات الأجيال القادمة.
- رؤية وإنشاء الأخلاقيات الإنسانية.
- الاهتمام بالتعليم الموازي.
- الاستثمار في بناء الأسواق الشعبية لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية للطبقة الفقيرة في المجتمع.
- الاستفادة الايجابية من منصات التواصل الاجتماعي وتوجيه مجموعة من المؤثرين إلى خدمة قضايا مجتمعنا وخاصة قضايا الوعي المجتمعي كالهوية الوطنية والانتماء إلى الإرث الحضاري والبعد عن النظريات التقليدية
مداخلة الدكتور حمادي لخضر : نائب رئيس المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري / اسبانيا
قدم الدكتور حمادي لمداخلته بالحديث عن محاور كلمته المتمثلة في المشترك بين المرجعيات الدينية والفلسفية حول مفهوم نصرة المظلوم. حيث قال أن مفهوم نصرة المظلوم مفهوم واسع يشمل جميع أنواع الظلم والاعتداءات وهذا الظلم محرم من الجميع وهو خلل أخلاقي.
ثم تطرق الى الجدور الفلسفية لهذا المفهوم (نصرة المظلوم) فالعودة لهذه الجدور كفيلة لاستعادة معاني الإنسانية وفهم ما ينبغي فعله مدرجا امثلة لفلاسفة وتصوراتهم لهذا المفهوم كأفلاطون من خلال الحديث عن مفهوم الفيلسوف وارسطو من خلال الترسيخ لمفهوم العدالة الاجتماعية والتوازن بين طبقات المجتمع وكذلك جون لوك الذي تحدث عن الحقوق الطبيعية من خلال التأكيد على الدفاع عن حقوق المظلومين بالإضافة الى جون جاك روسو الذي شدد على حقوق الانسان الأساسية وحمايتها وايمانويل كانط الذي تبنى مفهوم الواجب الأخلاقي والالتزام بالعدالة … هؤلاء كلهم أكدوا ان نصرة المظلوم واجب أخلاقي.
ثم انتقل الدكتور حمادي للحديث عن جدور المفهوم في الثرات الثقافي العالمي وقال أنه متجدر في العالم من خلال الحكايات والاساطير والقصص الواقعية التي صارت رمزا لنصرة المظلوم وثورة ضد الظلم مستدلا بأمثلة منها قصة سبارتاكيس (رجل كرس نفسه للدفاع عن الرقيق وساهم في ثورة تمرد الرقيق) في عهد الرومان وفي الثرات الإنجليزي قصة روبن هود (مناضل شعبي للدفاع عن الفقراء) وفي الثرات الصيني (شوكين معارض للظلم والدفاع عن العدالة الاجتماعية) ….
وامتدادا في التاريخ الحديث أعطى الدكتور حمادي أمثلة منها حركة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوتر كينغ وحركة استقلال الهند بقيادة مهاتما غاندي والحركة التي قادها نيلسون مانديلا ضد الميز العنصري وغيرهم … والتي كان حافزها نصرة المظلوم فخلص ان نصرة المظلوم هي واحدة من أكبر عناوين المشترك الإنساني.
وفي المحور الثالث من مداخلته والذي عنونه الدكتور حمادي ب: نحو نصرة مظلوم واعية وفعالة : تجارب عملية. حيث قدم لهذا المحور بقصة التاجر الزبيدي مع العاصي بن وائل من قريش وهي القصة التي نتج عنها ابرام حلف الفضول من اجل نصرة المظلوم والدفاع عن حقه. ثم تطرق لواجب الوقت الراهن : المتمثل في اليقظة واتخاد موقف.
وفي الأخير ختم كلمته بدعوة للإنسان بقوله “البشرية اليوم بحاجة الى احلاف فضول ومبادرات مشتركة على قاعدة قيمة نصرة المظلوم” وأن “الحكمة تقتضي من عقلاء العالم ان يسعوا لبناء ائتلافات ومبادرات وتكتلات ارضيتها الاخلاق والمشترك الإنساني والتعاون الحضاري ودستورها نداء الكرامة الإنسانية … ”
واختتمت الندوة بتدخلات قيمة تصب في مضمون الندوة من طرف عدد من الحضور وبكلمات ختامية.