الأخلاق والأسرة المتماسكة دعامتان أساسيتان لاستقرار المجتمع واستمراريته

ذ. محمد حمداوي

العالم في حاجة إلى الاستفادة من كل الأخلاق الإيجابية، من أخلاق الإخلاص في العمل والفعالية المستمرة، واحترام القانون وتقدير الحرية، والكرامة الإنسانية الموجودة في معظم البلاد الغربية. لكن محتاج أيضا للاستفادة من المجتمعات العربية والإسلامية من الأخلاق المؤدية إلى استقرار الأسرة وتماسكها وخدمة خلفها لسلفها، والى المبادئ الإيمانية الدينية  التي تعزز كل الأخلاق الفاضلة عند الأفراد والجماعات في المجتمع الواحد، كما تعزز التعاون على كل خير بين سائر المجتمعات.

من السلبيات الكبيرة أن يغض طرف ما الطرف عن الأخذ بالجانب الإيجابي من أخلاق الطرف الآخر، بل وقد يعمل على تشرب المظاهر المشينة في الطرف الآخر. والأنكى من هذا أن يعمل طرف ما، كما هو حال جهات غربية كثيرة  من خلال محاولات عدة لفرض نموذج “أخلاقي” أثبت انهياره  في موطنه.

ألف الكاتب الأمريكي باتريك جوزيف بوكانن  كتابا شهيرا عنوانه “موت الغرب”  يتحدث فيه عن “الموت الأخلاقي” للغرب بسبب السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية و” الموت الديموغرافي والبيولوجي” الناتج عن النقص السكاني بسبب الموت الطبيعي، وعدم تعويض هذا النقص بولادات جديدة. 

يقول الكاتب: 

“الغرب يَموت، لقد توقَّفت أُمَمه عن التكاثر، وتوقَّف سكَّانه عن النُّمو، وبدؤوا في الانكماش، ولَم يَقُم -منذ الموت الأسود (الطَّاعون) الذي حصد أرواحَ ثلث سكَّان أوربا في القرن الرابع عشر -تهديدٌ لبقاء الحضارة الأوربية أخطر من هذا الخطر الماثِل اليوم؛ هناك سبعة عشر بلدًا أوربيًّا فيها جنازات دفن أكثر مِن احتفالات الولادة، وهناك أكفان أكثر من المُهود”[1]

ويقول أيضا” “توقَّفَت الشُّعوب الأوربية عن التكاثر، وبدأ عدد السُّكان في التوقُّف، ومن بين الأمم الأوربيَّة السبع والأربعين هناك أمَّة واحدة فقط، وهي ألبانيا المسلِمة، كانت وما تزال تَحتفظ  بِمُعدَّل مواليد كافٍ لِيُبقيها حيَّةً إلى أجَلٍ غير محدَّد، أمَّا بقية أوربا فقد بدأَت تموت” . 

ويقول أيضا: 

“مفارقة المفارقات، اليوم يضغط غربٌ مسيحي مُسِنٌّ يَموت على العالَم الثالث، وعلى العالَمِ الإسلامي، لِيَقبل منع الحمل والإجهاض والتعقيم مِثلَما فعل الغرب، ولكن لماذا عليهم أن يَدخلوا حلف انتحار معنا؟!، في الوقت الذي يقفون فيه لوراثة الأرض عندما نكون قد ذهَبنا؟!” . 

 ويقول أيضا :  “لقد بدأت الشعوب الغربية تتوقَّف عن إنجاب الأطفال؛ وذلك لأن الارتباط بين الإيمان الديني وبين إنجاز العائلات الكبيرة، هو ارتباط مُطلق، وكلما ازداد الوازع الديني عند شعب -سواء أكان نصرانيًّا، أم مسلمًا، أم يهوديًّا -كان معدَّل الولادة عنده أعلى. 

 وصار القانون الجديد هو الواجهة الحضارية لثقافة الغرب: “اقْتل إيمان الأُمَّة، فيتوقَّف شعبها عن التوالُد، وعند ذلك ستدخل الجيوش الأجنبيَّة أو سيدخل المهاجرون؛ ليملؤوا الأماكن الشاغرة” .

وقد هبط بالفعل معدَّل الخصوبة المتوسِّطة عند المرأة الأوربيَّة إلى 1,4 أطفال؛ علمًا بأنَّ الحاجة تدعو إلى 2,1 أطفال؛ لِمُجرَّد تعويض عدد السُّكان الموجودين حاليًّا، “

وقد كتب عالِمُ السُّكان الفرنسيُّ “ألفريد سوفي” عن أوربا، قائلاً: إنَّها توشك أن تصير قارَّة تتكوَّن من شعب مسنٍّ في بيوت قديمة وأفكار قديمة وهو ما يعني أنَّ موت الغرب أمرٌ لا مَناص منه، أو على وجه الأصَحِّ ليس تنبُّؤًا بما سيَحدث، ولكنه تصويرٌ لِما يَحدث الآن.” .

إن انهيار الأسرة التي تمثل الوحدة الأساسية للمجتمع وشيوع العلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية إضافة إلى تشجيع وتقنين العلاقات الجنسية الشاذة بين أبناء الجنس الواحد وارتفاع أعداد الإجهاض تبعا لهذه الثقافة قد أدى بالغرب إلى كل هذه الكوارث.

واليوم تحاول أطراف عدة أن تنقل هذه الثقافة وهذه الانحرافات من الغرب وتعمل جاهدة بشتى السبل على دفع مجتمعاتنا العربية والإسلامية على التطبيع مع هذه الفواحش،

إن هذه المحاولات تستهدف ضرب القيم الأساسية لهوية الأمة العربية والإسلامية ومحاولة إلحاقها بأمم جربت مثل هذه الانحرافات، كما رأينا أعلاه وشهد بذلك أبناؤها، فوصلت إلى الحضيض على مستوى شيوع الفاحشة والتفكك الأسري والمجتمعي وظهور وانتشار الأمراض التي لم تكن في أسلافهم. 

أغلب هؤلاء المنفذين الذين يعملون على نشر هذه الانحرافات الأخلاقية في الأمة ضحايا توظيف ماكر من قبل جهات لها مصلحة  في خلخلة النسيج القيمي الاجتماعي للأمة العربية والإسلامية، ومجموعة أخرى ابتليت في سياق انحرافات عامة تعرفها نوادٍ تمارس فيها أشكال من الموبقات  في أماكن مغلقة.

إن هذه أمة لها دينها ولها أخلاقها ولها هويتها ولها تاريخها ولها تماسكها المجتمعي العام..، كل ذلك ينبغي أن  يجعلها سدا منيعا أمام هذه الدعوات الشاذة للتطبيع مع كل الانحرافات الأخلاقية. والمسؤولية الكبيرة على نخبها قصد العمل الحثيث لنشر ما يعزز كل سلوك قويم في الأمة وفي الإنسانية جمعاء .


[1] – باتريك جيه. بوكانن، موت الغرب، نقله إلى العربية محمد محمود التوبة، مكتبة العبيكان-الرياض-، الطبعة الأولى، 1426ه-2005م، ص 27.